التسميات

مواصفات الداعية الناجح / إدريس أوهنا


مواصفات الداعية الناجح
أهداف الدرس:
- بيان مواصفات الداعية الناجح.
- العمل على التحلي بهذه المواصفات واكتسابها.
تمهيد:
إذا سألت عن السبيل التي اختص بها حبيبك وحبيبي محمد صلى الله عليه وسلم في حياته، كان الجواب: الدعوة إلى الله: [ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ] يوسف/108.
وإذا سألت عن أحسن الناس قولا، كان الجواب: الداعية إلى الله: [ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين] ( فصلت/32 )
ولا ريب أن هذا التشريف الرفيع، والتكليف البديع لا يناله من الدعاة إلا من اتصف بمواصفات خاصة، تجعل من دعوته دعوة مباركة نافعة نفع الغيث للأرض الجذباء.
فما هي يا ترى أصول هذه المواصفات؟؟
نصوص الانطلاق:
قال الله تعالى: [ قل يا قوم أرايتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب] هود/88.
قاموس المفاهيم:
على بينة: على برهان وعلم ويقين.
أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه: أن أرتكب ما أحذركم منه وآمركم باجتنابه.
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت: لا أريد فيما آمركم به وأنهاكم عنه إلا إصلاحكم وإصلاح أمركم بقدر استطاعتي.
ما توفيقي إلا بالله: ليس التوفيق إلى الخير إلا بتأييده سبحانه ومعونته.
عليه توكلت وإليه أنيبك: على الله سبحانه اعتمدت في جميع أموري، وإليه تعالى أرجع بالتوبة والإنابة.
مضامين النص:
- على الداعية أن يكون على علم ويقين مما يدعو إليه، لا أن يرمي عن عماية فيفسد أكثر مما يصلح:( على بينة من ربي )
- عليه كذلك ان لا يأتي خلاف ما يدعو إليه؛ فيختل شرط القدوة فيه: ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه )
- أن تكون نيته خالصة لله عز وجل، لا يبتغي من وراء دعوته جاها ولا مالا، ولا غير ذلك: ( إن أريد إلا الإصلاح )
- أن يبذل قصارى جهده في دعوته: ( ما استطعت )
- أن يتوكل على الله ويستعين به سبحانه، ويسأله التوفيق والثبات منيبا إليه، داخلا عليه من باب الفقر إليه: ( وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ).
المحور الأول: الإخلاص.
الغاية من الدعوة إقامة دين الإسلام في الأرض وترشيد تدين المسلمين، فإذا جرد الداعية قصده لهذه الغاية، استقام على الطريقة، وقضى حياته في سيرة راضية، وإذا انحرف عن هذا القصد – ولو قيد أنملة – رأيته يضطرب في حال دعوته، كالريشة في مهب الريح.
وقد حكى التنزيل في مواعظه أن شعيبا – عليه السلام – قد برأ دعوته من أخذ الأعواض ونيل الأغراض، حين قال: [ إن اريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله ] (هود/88)
وكذلك جاء على لسان الدعاة الأول أنبياء الله ورسله في القرآن الكريم:
فهذا نوح عليه السلام قال لقومه:
[ ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله ] ( هود/29 )
وهذا هود عليه السلام قال:
[ يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن اجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون ] ( هود/51 )
وجاء على لسان كل من شعيب وصالح ولوط عليهم السلام أجمعين:
[ وما أسألكم عليه من اجر إن أجري إلا على رب العالمين ] ( الشعراء/109 )
أما خاتم الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فورد على لسانه:
[ قل ما سألتكم من اجر فهو لكم، إن اجري إلا على الله، وهو على كل شيء شهيد ]         ( سبأ/47 )
وفي ذلك من البيان والإرشاد إلى أن تشوف الداعية إلى ما في أيدي الناس، وتطلعه إلى أن ينال من وراء دعوته شيئا من متاع هذه الحياة الدنيا قادح في صدقه، خادش في إخلاصه.
فاجعل أخي الداعية سعيك الدعوي خالصا مخلصا؛ تبتغي به وجه الله جل في علاه والدار الآخرة، فبذلك يزرع الله في دعوتك البركات، ويفتح على يدك ما لم تتوقعه من الفتوحات، التي ترى إن شاء الله تعالى آثارها العظيمة في الدنيا والآخرة.

 المحور الثاني: العلم
من الدعاة من تطيب سريرته ويخلص قصده، وإنما يخونه قلة بضاعته في العلم، وربما أساء في دعوته من حيث يظن أنه يحسن.
ولذلك تعين إلى جانب اتصاف الداعية بالإخلاص أن يكون على بينة مما يدعو إليه، بمعنى أن يكون على علم ودراية، وألا يرمي عن عماية، فيفسد أكثر مما يصلح؛ قال تعالى:
[ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ] ( يوسف/108)
والعلم المراد طبعا: العلم النافع، مصحوبا بشاهده ومصداقه وهو: العمل الصالح.
ولا يفهم من ذلك أن واجب الدعوة خاص بأهل العلم والاختصاص، فإن من الحق ما يكون واضحا بنفسه أو بدليل معلوم، بحيث لا يتأتى فيه نزاع، ولا يحتاج الأمر فيه إلى تقرير حجة، أو إزالة شبهة: كفريضة الصلاة، وفضيلة العدل، وشناعة الكذب وما إلى ذلك، فعلى كل مسلم ولو كان عاميا أن ينبري للدعوة إليه، قال صلى الله عليه وسلم: " بلغوا عني ولو آية" ( أخرجه البخاري في صحيحه )
وأما ما لا تدركه العامة من الحقائق، ويضطر الداعية إلى أن يورد في بيانه الأدلة ويطارد الشبه، فأمر الدعوة إليه من حق أهل العلم القادرين على تحرير بحثه، وحسن التصرف في سوق أدلته.
وعلى الداعية عموما أن يحرص كل الحرص على الاستزادة من العلم ويداوم على طلبه، ويصبر ويصابر على مجاهدته؛ من تفسير للقرآن الكريم، وشرح للسنة النبوية، واطلاع على السيرة، ومطالعة في مصنفات العلماء والمفكرين والباحثين قديما وحديثا، حتى يكتسب ثقافة شرعية وتاريخية وواقعية وعلمية وأدبية وإنسانية. وإذا أمكنه الجمع بين هذا وبين المذاكرة والمدارسة وسؤال أهل الخبرة والرسوخ واستشارتهم كان ذلك أفيد وأضمن لأن تصفو دعوته ويستقيم منهجه.

المحور الثالث: القدوة.
من صفات الداعية الناجح كذلك أن يكون صالحا في نفسه، مستقيما في سيرته، يعيش بالإسلام وله.
فقد جرت عادة الناس بأن لا تلين قلوبهم لموعظة واعظ، ولا يقتدون برأي داعية أو مرشد، إلا إذا وثقوا بأمانته، وأبصروا في حالته الظاهرة مثالا لما ينصحهم به، فتكون دعوته بحاله أبلغ من دعوته بمقاله.
وقد تبرأ شعيب عليه السلام من مخالفة قومه إلى ما حذرهم منه؛ فقال: [ وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاك عنه ] (هود/88)
وفيه تأكيد على صفة القدوة، والتمثل الصادق للفكرة أو المبدأ الذي يدعو إليه المصلح، وإلا كانت دعوته ممقوتة، وكان هو نفسه ممقوتا؛ قال تعالى: [ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ] ( الصف/3 )
وجاء في كثير من الآيات المسوقة في فضل الدعوة ذكر صلاح الداعية في نفسه، واستقامته في عمله؛ قال الله تعالى: [ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ] ( فصلت/33)، وقال تعالى : [ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم ] ( النحل/76 ).
وجاء في التنزيل ما فيه تقريع وتعجب من حال الذي يلقي الموعظة، ويبسط لسانه بالأمر بالمعروف، وهو لا يعمل به؛ قال الله تعالى: [ أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ] ( البقرة/44 )
وفي هذه الآية شاهد على أن من أرشد غيره إلى معروف وهو لا يأتيه، فقد دخل في زمرة الذين لا يعقلون.
وصدق الشاعر إذ يقول:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله /// عار عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك وانهها عن غيها // فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهنالك يقبل ما وعظت ويقتدى // بالعلم منك وينفع التعليم.
وأجمل بقول الشافعي رحمه الله :
يا واعظ الناس عما أنت فاعله /// يا من يعد عليه العمر بالنفس
احفظ لشيبك من عيب يدنسه /// إن البياض قليل الحمل للدنس
كحامل لثياب الناس يغسلها /// وثوبه غارق في الرجس والنجس
تبغي النجاة ولم تسلك طريقتها /// إن السفينة لا تجري على اليبس.

المحور الرابع: صدق التوكل على الله تعالى.
الداعية الناجح مهما اتصف بالإخلاص في العمل، والقدوة الصالحة، وتسلح بالعلم فيما يدعو إليه لا بد له من صدق التوكل على الله، والاستعانة به، والاعتماد عليه سبحانه وتعالى في بلوغ النتائج المرجوة من وراء دعوته.
ومن علامات صدق الداعية في توكله على الله عدم استعجاله النتائج، وأن يقف سدا منيعا أمام مشاعر الإحباط والتدمر واليأس حتى لا تتسرب إلى فؤاده، مهما طال زمن الإصلاح، ومهما كان المردود الدعوي دون الانتظارات المتوقعة؛ جاء على لسان شعيب عليه السلام:
[ إن اريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ]
ومدح الله سبحانه وتعالى المتصفين بالصبر وصدق التوكل عليه بقوله: [ الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون ] ( النحل/42 )
وليعلم الداعية علم اليقين أن الأمر – كما قال جمال الدين الأفغاني- لا يتسع إلا إذا ضاق، وأن قيمة الفجر لا تظهر إلا بعد الظلام الحالك.
وليذكر دائما أن من الرسل من قضى نحبه ولم يستجب لدعوته إلا النفر أو النفران مع طول زمن الدعوة؛ كنوح عليه السلام الذي قال عنه الحق سبحانه وتعالى: [ ولقد ارسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ] ( العنكبوت/13)
فالتوفيق لا يكون إلا بالله ومن الله عز وجل، ولذلك تعين على الداعية أن يدخل إلى الله من باب الفقر إليه، عارضا عليه ضعفه وقلة حيلته، باكيا على الله في خلواته، بقلب خاشع ضارع منكسر، ملحا على مولاه بالسؤال أن يزرع في عمله البركة، ويفتح القلوب لدعوته، ويشمله بعنايته ورعايته وتوفيقه.
فالداعية الموفق بإذن الله تعالى هو الذي يكون له حال خاص مع الله في محراب التضرع والخشوع والبكاء والافتقار والاستغفار.


شارك:

الحوار مع المنكرين للبعث والنشور / إدريس أوهنا


آيات وتأملات

 الحوار مع المنكرين للبعث والنشور


نص الانطلاق:
قال الله تعالى:
]أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ.وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ.قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ[([1]).

تدبر ونظر:
الحوار في هذا الموضوع ينقل الفكر من الواقع الحاضر إلى المتوَقّع الغائب.. ولكل منهما عناصر:
عناصر الواقع الحاضر أو المشاهَد: 
         - النطفة التي تتحول إلى إنسان.                                     
       - النشأة الأولى للإنسان.
عناصر المتوقع الغائب غير المشاهد:
         - العظم الرميم الذي يتحول إل مخلوق حي.
              - النشأة الثانية للإنسان.
والمنطق العقلي الذي يربط بينهما هو منطق القياس: قياس تحويل العظم الرميم إلى مخلوق حي على تحويل النطفة إلى إنسان. وقياس النشأة الثانية على النشأة الأولى.. والعامل في القياسين معا هو القدرة الإلهية: فمادام الله تعالى قادرا على خلق الإنسان أول مرة ولم يكن شيئا مذكوراً، فهو قادر على بعثه بعد الموت تارة أخرى وهو عليه أهون([2]). كما أن قدرته على خلق الإنسان من نطفة دليل على تحقق هذه القدرة في تحويل العظم الرميم إلى خلق جديد.
فانظر إلى هذا المنطق البرهاني العظيم الذي لا يترك للعقل السليم مجالا للهروب من مواجهة الحقيقة والإقرار بها. ما دفع سيد قطب إلى إلى القول معلقا: «يا للبساطة! ولمنطق الفطرة! ومنطق الواقع القريب المنظور! وهل تزيد النطفة حيوية أو قيمة أو قدرة على العظم الرميم المفتوت؟ أو ليس من تلك النطفة كان الإنسان؟ أو ليست هذه النشأة الأولى؟ أوليس الذي حول تلك النطفة إنسانا وجعله خصيما مبينا بقادر على أن يحول العظم الرميم مخلوقا حيا جديداً؟
إن الأمر أيسر وأظهر من أن يدور حوله السؤال، فما بال الجدل الطويل؟!»([3]).
وإذا كان المنطلق في محاورة المنكرين للبعث في النص السابق هو واقع الإنسان في ذاته، فإن المنطلق في محاورتهم في مواضع أخرى كان هو الواقع الكوني، كما في قوله تعالى في سورة "ق": ]ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ  وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ[([4]).
فانظر كيف لفتت هذه الآيات أنظار المنكرين للبعث «إلى قدرة الله العظيمة، المتجلية في صفحات هذا الكون المنظور»([5])، لتقودهم من خلال ذلك إلى الإقرار بقدرته على بعث الأموات، ويكفي لبلوغ هذا الإقرار الوقوف عند مشهد واحد من مشاهد هذا الكون المنظور وهو تلك الأرض الهامدة اليابسة التي ما إن تختلط بماء السماء حتى تدب فيها الحياة من جديد: ]وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج[؛ يقول ابن كثير: «وهذه الأرض الميتة كانت هامدة، فلما نزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج من أزاهير وغير ذلك مما يحار الطرف في حسنها، وذلك بعدما كانت لا نبات بها فأصبحت تهتز خضراء، فهذا مثال للبعث بعد الموت، فكما أحيا الله الأرض الميتة كذلك يحيي الله الموتى»([6]).
إنها الحجة البرهانية التي تقوم على القياس العقلي الصحيح لإفادة اليقين الذي ليس بعده إلا المعاندة والمكابرة والجحود.


[1] - سورة يس، الآيات76-78.
[2] - وهو عليه أهون؛ بالنسبة لمنطقنا نحن البشر، وإلا فكل شيء على الله هين.
[3] - "في ظلال القرآن"، 5/2977.
[4]- سورة ق، الآيات:1-11.
[5] - "صفوة التفاسير"، 3/223.
[6] - "مختصر تفسير ابن كثير"، 3/372.

شارك:

الحوار مع المنكرين للنبوة / إدريس أوهنا


آيات وتأملات

الحوار مع المنكرين للنبوة


نص الانطلاق:
قال الله تعالى:
]وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا.أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا. أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا.أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا.وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا.قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا. قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا[([1]).

لنتدبر:
إن منطق المزايدة في العملية الحوارية منطق غير سليم، لذلك نرى الرسول  صلى الله عليه وسلم ، أمام طلبات المنكرين لنبوته التعجيزية السخيفة (انظر من الآية90 إلى الآية93) يقف عند حدود بشريته، ويرد ببساطة ودون مزايدة: ]قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا[، وشبيه بذلك قول نوح عليه السلام لقومه: ] ولا أقول لكم عندي خزائن الله. ولا أعلم الغيب. ولا أقول إني ملك...[([2]).. «ولو أن الرسول أو النبي سلك غير ما يسلكه البشر لاتهموه بالألوهية الأسطورية... يقول الحق سبحانه -وهو فصل الخطاب في هذا الموضوع- مبينا لإمكانات النبوة وحدودها: ]قل لا أقول لكم عندي خزائن الله[..الآية([3])، كما يقول سبحانه ] قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، ولو كنتُ أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء، إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يومنون [([4]).
وهكذا تبدو واضحة الخصائص البشرية للنبوة والمانعة من كل مجازفة تغميضية...»([5]).
وهذا المنطق البسيط، البعيد عن كل المزايدات الكلامية، هو الذي ينبغي استحضاره في جميع العمليات الحوارية؛ «لأن ذلك أدعى إلى القبول وترك العناد وإطفاء نار العصبية»([6]).
 نلمس في آخر النص أهمية الدليل العقلي المنطقي في الحجاج والحوار: ]قل لو كان في الارض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا[، وفي ذلك تنبيه للعقل المسلم عساه يصحو من غفلته، ويخرج من حالة الجمود والتقليد التي يكتوي بنارها قرونا من الزمان.
نستفيد من النهاية التي أنهى بها الرسول صلى الله عليه وسلم الحوار مع المنكرين لنبوته، الطريقة التي على المحاور الداعية أن يسلكها في حال تعصب الطرف المحاوَر وتعنته وجحوده، وهي أن ينهي الحوار معه كما بدأه، فلا يتشنج ولا يغضب ولا يتوتر، لأن القضية قضية رسالة ومبدأ يجب أن يُغيَّب فيها الانتصار للذات.
ينبغي أن تحمل نهاية الحوار من المعاني ما يجعلها، إذا ما اختمرت في ذهن المتعنت، فاتحة وبداية لحوار جديد قد تكون نتائجه إيجابية، وهو ما نستشفه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم الوارد في آخر الآيات السابقة: ]قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا[. فإن الآية تحمل من القوة والثقة بما يقدمه الرسول صلى الله عليه وسلم ما يجعل المنكرين لنبوته يراجعون ذواتهم وآراءهم، ويعيدون النظر في ذلك كله، والشيء ذاته نلاحظه في رد نوح عليه السلام على قومه في سورة "هود" عندما قال لهم: ]يا قوم أرايتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزموكموها وأنتم لها كارهون[([7]).. إنها -لعمري- ثقة هائلة بالنفس وما تحمله من أفكار وتصورات، ينبغي أن يتسلح بها كل محاور يتوخى النجاح في حواره. على أن لا يصل به الأمر إلى درجة الغرور والعناد المفضيين إلى غمط الحق وأهله، ومجانبة العدل والإنصاف الذي أمرنا الله عز وجل به في غير ما آية من كتابه الجليل، حتى في معاملة أو مخاطبة غير المسلمين كما في  قوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا. اعدلوا هو أقرب للتقوى[([8])، خاصة أنه ليس لدينا من التأييد والعصمة ما كان للأنبياء والرسل عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.


[1]- سورة الإسراء، الآيات90-96.
[2]- سورة هود، الآية31.
[3] - سورة الأنعام، الآية50.
[4]- سورة الأعراف، الآية188.
[5] - "في المنهجية والحوار"، ص109.
[6] - "الموافقات"، 2/81.
[7] - سورة هود، الآية28.
[8] - سورة المائدة، الآية9.

شارك:

الحوار مع الملحدين / إدريس أوهنا


آيات وتأملات

الحوار مع الملحدين


نص الانطلاق:
قال الله تعالى:
]أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون[([1]).

تدبر ونظر:
يتأكد من جديد أن القرآن الكريم لم يغلق باب الحوار مع أي كان، حتى مع من يدعي الإلحاد، وفي ذلك عبرة لنا -نحن المسلمين- حتى تتسع صدورنا، وتنفتح حواراتنا على كل من له رغبة جادة في الحوار، بصرف النظر عن توجهه الإيديولوجي، أو انتمائه السياسي، أو ما إلى ذلك. لأن المهم أن تظهر الحقيقة ويتحقق الشهود.. وما يدريك لعل الله تعالى يهدي من تحاوره إلى الحق، ويُلين قلبه للصواب بعدما بعدت الشقة بينه وبين الهداية.
وانظر بعد ذلك إلى هذا الأسلوب العقلي الرصين في الحوار: ]أم خلقوا من غير شيء أم هو الخالقون[.. إنه يضع الملحدين أمام احتمالات ثلاثة لا رابع لها.. إثنان منها منطوقان:
أولهما : أنهم خُلقوا من عدم.
والثاني: أنهم خلقوا أنفسهم.
والثالث مسكوت عنه، لأن الجواب عن الاحتمالين السابقين يحيل بالضرورة عليه. فهم عندما يصلون بعقولهم إلى أن العدم لا يخلق شيئا، وأن لا طاقة لهم على الخلق، هنالك يجدون أنفسهم أمام ما سكتت عنه الآية وهو: أن الله تعالى هو الذي خلقهم.. فلماذا الإنكار والجحود؟!
يقول البوطي معلقا على الآية ذاتها: «فانظر كيف حاكم الأسلوب الحواري في القرآن جماعة الكافرين إلى قانون بطلان الدور([2]) وبطلان الرجحان بدون مرجح، ليسقط بذلك دعواهم!.. فعل ذلك كله بدون أن يسلك بهم أي مسلك تعليمي أو أن يلقنهم علم أي مجهول أو يلزمهم بأي نتيجة أو قرار. وإنما أثار أفكارهم إلى موازين المنطق والعلم، وتركهم بين ذلك كله وقد لبسوا زي الجهل أو التجاهل والتعامي.
وأبرز ما يلفت النظر في ذلك أنه اعتمد في نقاشه على محور القواعد المنطقية والفكرية، دون أن يتقيد بصياغاتها واصطلاحاتها المعروفة، حتى لا تفوت فائدة المعرفة والفهم على أي فئة من الناس مهما كانت ثقافاتهم وعلومهم، ماداموا ينزعون إلى قدر مشترك من التأمل وحرية النظر والفكر»([3]).
فنعم الطريقة تلك في بناء المعرفة وترسيخ القناعة، وإنها لكفاية ومهارة فائقة الحُسن إذا أُحسن توظيفها في مقاماتها وموضوعاتها.. والحكيم حقا هو الذي يقول ما ينبغي، كيف ينبغي، متى وأين ينبغي.. بل يجدر إلى جانب انتقاء الأسلوب المناسب والأمثل في الحوار حسب ما يقتضيه المقام وموضوع الحوار، انتقاء المضمون أو المحتوى المناسب أيضا؛ باعتبار أنه ليس كل ما يُعرف يقال، وليس كل ما يقال حان وقته، وليس كل ما حان وقته حضر أهله.


[1] - سورة الطور، الآية33.
[2] - والدور هو أن يتوقف الشيء في وجوده على نفسه بحيث يكون هو العلة والمعلول بآن واحد! ("منهج تربوي فريد في القرآن"، ص4).
[3] - "منهج تربوي فريد في القرآن"'، ص45-46.

شارك:

ouhna.blogspot.com

موضوع مقترح

موجز السيرة الذاتية

ابحث في هذه المدونة

أرشيف المدونة الإلكترونية

Blog Archive