ملخص محاضرات الأحكام التكليفية
الفصل الثالث
أصول الفقه(1)
د.إدريس أوهنا
الحكم الشرعي وأقسامه
1)
تعريف الحكم لغة واصطلاحا:
الحكم في اللغة: المنع.
وفي اصطلاح الأصوليين: هو خطاب الشارع
المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع. (الاقتضاء هو طلب الفعل أو الترك،
والتخيير المراد به التخيير بين الفعل والترك، أما الوضع فالمراد به الأحكام
الوضعية من أسباب وشروط وموانع)
والحكم عند الفقهاء: هو الأثر الذي
يقتضيه خطاب الشارع في الفعل كالوجوب والحرمة والإباحة.
2)
أقسامه:
ينقسم الحكم الشرعي إلى قسمين:
أ-
الحكم التكليفي: وهو خطاب الشارع للمكلف بفعل شيء أو تركه أو التخيير
بينهما.
ب-
الحكم الوضعي: وهو خطاب الشارع المقتضي وضع شيء سببا لشيء أو شرطا له أو
مانعا منه.
3) أنواع الحكم التكليفي:
ينقسم الحكم التكليفي عند الجمهور إلى
خمسة أنواع: الواجب والمندوب والحرام والمكروه والمباح. وعند الحنفية إلى سبعة
أنواع: الفرض والواجب والمندوب والمباح والحرام والمكروه تحريما والمكروه تنزيها.
الواجب
·
تعريف الواجب: ما طلب
الشارع فعله من المكلف على سبيل الحتم والإلزام.
ملحوظة مهمة: لا فرق بين الواجب والفرض عند الجمهور، أما عند
الحنفية فالفرض ما ثبت طلبه بدليل قطعي، والواجب ما ثبت طلبه بدليل ظني الورود أو
الدلالة أو هما معا.
ولا يفرق الجمهور بين الفرض والواجب
إلا في الحج؛ فإن ما طلبه الشارع ولا جبر له يعد فرضا كالوقوف بعرفة وطواف
الإفاضة، وما طلبه ويمكن جبره بالدم فواجب كلباس الإحرام.
·
حكم الواجب: يلزم
الإتيان به، ويستحق فاعله الثواب، ويستحق تاركه العقاب، ويكفر منكره إذا ثبت بدليل
قطعي.
·
أقسام الواجب: للواجب
أقسام أربعة باعتبارات مختلفة:
1-
باعتبار وقت الأداء: ينقسم إلى
مطلق ومقيد، وينقسم المقيد إلى موسع ومضيق.
2-
باعتبار المقدار المطلوب منه:
ينقسم إلى محدد وغير محدد.
3-
باعتبار الملزم به: ينقسم إلى
عيني وكفائي.
4-
باعتبار تعين المطلوب: ينقسم إلى
معين ومخير.
·
الواجب المطلق: ما طلب الشارع
فعله على سبيل الحتم والإلزام، ولم يعين وقتا لأدائه؛ كالكفارات والحج.
·
الواجب المقيد: ما طلب
الشارع فعله على سبيل الحتم والإلزام في وقت معين كالصلوات الخمس وكصوم رمضان، وهو
نوعان: واجب موسع: وهو الذي يكون وقته الذي أقته الشارع له يسعه
ويسع غيره من جنسه؛ كوقت صلاة الظهر أو العشاء. وواجب مضيق: وهو
الذي يكون وقته الذي أقته الشارع له يسعه وحده ولا يسع غيره من جنسه، كوقت صلاة
المغرب، والوقت المحدد لصيام رمضان.
·
الواجب المحدد: هو ما طلب
الشارع فعله على سبيل الحتم والإلزام وحدد له مقدارا معلوما لا تبرأ الذمة إلا به،
كمقادير الزكوات، وعدد الصلوات المفروضة، وعدد الركعات في كل صلاة من الصلوات
الخمس.
الواجب غير المحدد: هو ما طلب الشارع فعله على سبيل الحتم والإلزام ولم
يحدد مقداره؛ كبر الوالدين، والإنفاق على الزوجة والأبناء، وإطعام الجائع.
·
الواجب العيني: هو ما طلب
الشارع فعله على سبيل الحتم والإلزام من كل مكلف على حدة، ولا يجزئ قيام مكلف به
عن آخر؛ كالصلاة والزكاة والحج.
·
الواجب الكفائي: هو ما طلب
الشارع فعله على سبيل الحتم والإلزام من مجموع المكلفين، لا من كل فرد على حدة؛
فإذا قام به البعض سقط الحكم والإثم عن الباقين؛ كالتطبيب والتعليم والحرف
والصناعات وإطفاء الحرائق وأداء الشهادات وإنقاذ الغرقى.
·
الواجب المعين: هو ما
طلبه الشارع بعينه طلب حتم وإلزام، من غير تخيير بينه وبين غيره؛ كالصلاة والصيام
وأداء ثمن المبيعات.
·
الواجب المخير: هو ما
طلبه الشارع طلب حتم وإلزام على سبيل التخيير بينه وبين غيره؛ كأحد خصال الكفارات
الوارد فيها التخيير.
مسائل:
1)
أي الفرضين أولى من الآخر، أهو فرض العين أم فرض الكفاية؟
هناك قولان:
القول الأول: فرض الكفاية أولى، وبه قال الجويني والإسفراييني
وغيرهما. واحتجوا لذلك بأن من قام بفرض الكفاية يُسقط الحكم والإثم عن نفسه وعن
غيره بخلاف فرض العين.
القول الثاني: فرض العين أولى، وهو قول الجمهور. واحتجوا لذلك بأن
فرض العين آكد من فرض الكفاية بدليل أن الشارع قد خاطب به كل مكلف على حدة بخلاف
فرض الكفاية.
والراجح أن المفاضلة بين القسمين ينبغي
أن لا تكون مطلقة، بل مقيدة في حال تعارضهما في حق مكلف واحد، وفي حال عدم
تعارضهما. فإذا تعارضا صارا معا فرض عين، فكان ما يسقط الحكم والإثم عن المكلف وعن
غيره أولى، وإذا لم يتعارضا كان فرض العين أولى لوجود من يقوم بفرض الكفاية.
2)
كيف يكون الواجب الكفائي واجبا على جميع المكلفين في الأصل مع العلم
بانتفاء القدرة ابتداء لدى بعضهم؟
يكون كذلك باعتبار أن القادرين معنيون
بالقيام به مباشرة، وغير القادرين معنيون بإقامة القادرين.
3)
هل يتعين فرض الكفاية بالشروع فيه؟
في المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: يتعين؛ قال بذلك ابن السبكي في جمع الجوامع، قياسا على
فرض العين.
القول الثاني: لا يتعين؛ قال بذلك القفال الشاشي، قياسا على التطوع،
وللاتفاق على جواز عزل القاضي نفسه، والقضاء من فروض الكفاية.
القول الثالث: لا يتعين إلا في الجهاد وصلاة الجنازة وما يلحق بها من
غسل الميت وتجهيزه، وهو قول الغزالي، لأدلة الفريق الثاني، ولما يترتب عن ترك هذين
الفرضين الكفائيين بعد الشروع فيهما من مفاسد كبيرة؛ كإضعاف المجاهدين في حالة
الجهاد، أو انتهاك حرمة الميت وإيقاع العداوة مع أهله في حالة صلاة الجنازة وما
يلحق بها، ولعله الرأي الراجح.
4)
هل يتحول فرض الكفاية إلى فرض عين؟
نعم يتحول في الحالات الآتية:
-
إذا لم يعلم بفرض الكفاية إلا واحد تعين في حقه (كالشهادة مثلا)
-
إذا لم يقدر على فرض الكفاية إلا واحد تعين عليه القيام به
(القضاء-الإفتاء- إنقاذ غريق- إطفاء حريق... إذا لم يقدر عليها إلا واحد في حالة
معينة تعين الواجب في حقه)
-
إذا لم تتحقق الكفاية إلا به تعين في حقه.
-
إذا غلب على ظن القادر أن غيره غير قادر.
-
إذا عين الإمام شخصا لفرض الكفاية أصبح عينيا في حقه.
-
في حال جهاد الدفع ورد العدوان يتعين واجب الجهاد على كل مسلم قادر.
المندوب
1) تعريف المندوب:
الندب في اللغة الدعاء إلى الشيء.
وفي الاصطلاح: هو ما طلب الشارع فعله
من المكلف طلبا غير جازم.
ويعبر عن المندوب بالمستحب والسنة
والنافلة والتطوع والرغبة والفضيلة.
2) صيغ المندوب:
يمكن إجمال صيغ الندب فيما يلي:
أ-
صيغة الطلب الدالة على عدم الإلزام؛ إما لمجرد الترغيب في الفعل، بأي عبارة
كانت؛ نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
وقوله: "من توضأ يوم الجمعة فبها
ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل".
وإما بذكر الثواب على الفعل، نحو حديث:
"من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة"، أو بغير ذلك من الصيغ
والأساليب الدالة على الندب.
ب- صيغة الأمر مع قرينة صارفة عن
الوجوب إلى الندب؛ نحو حديث: "صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، ثم قال: لمن
شاء".
ج- فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما
يتقرب به، دون دليل على الوجوب؛ كصومه يومي الإثنين والخميس.
3) أنواع المندوب:
ينقسم المندوب إلى ثلاثة أنواع:
·
سنة مؤكدة: وهي التي واظب الرسول صلى الله عليه وسلم على فعلها، ولم يتركها
إلا نادرا؛ كصلاة الجماعة، والوتر، ورغيبة الفجر، والأذان، والإقامة، وقراءة شيء
من القرآن في الصلاة بعد الفاتحة.
حكمها: فاعلها يستحق الثواب، وتاركها
بالجزء يستحق اللوم والعتاب، وتاركها بالكل بأن يداوم على تركها عمره كله أو أكثره
يعد آثما، كما أنه يفسق فلا تقبل شهادته؛ قال الإمام أحمد وقد سئل عن رجل استمر
على ترك الوتر: هذا رجل سوء.
·
سنة غير مؤكدة أو خفيفة: وهي التي فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم من غير
مواظبة عليها، كصيام الإثنين والخميس، وصلاة النافلة.
حكمها: فاعلها يستحق الثواب، وتاركها
لا يستحق العقاب ولا العتاب.
·
سنة زائدة: هي ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم بحسب العادة، ولم يحض على
فعله، كالاقتداء به عليه الصلاة والسلام في أكله وشربه ومشيه ونومه ولبسه، مما لم
يحث على فعله.
حكمها: فاعلها يستحق الثواب إذا قصد
بفعله التأسي والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، وتاركها لا يستحق العقاب ولا
العتاب.
فوائد تتعلق بالمندوب:
الفائدة الأولى:
المندوب إذا كان من قبيل السنة
المؤكدة، فإنه يكون مندوبا بالجزء واجبا بالكل، أي: إذا تركه المكلف بالكلية؛ كمن
لا يصلي الوتر أو رغيبة الفجر دائما أو غالبا، أو تواطأ المكلفون على تركه؛ كإسقاط
الأذان أو صلاة الجماعة في قرية ما، فإن ذلك يعد بمثابة ترك الواجب، ولذلك فإن من
فعله يعد آثما يستحق العقاب، لا مجرد الذم والعتاب.
الفائدة الثانية:
المندوب سواء أكان من قبيل السنة
المؤكدة أو غير المؤكدة يعتبر حارسا وحمى للواجب. بالمحافظة عليه يصان الواجب،
وبإهداره يمتد الإهدار إلى الواجب. لذلك كان من المهم تربية النفس وتعويدها على
رعاية المندوبات؛ لما فيها من الأجر العظيم من جهة، ولحماية الواجبات بها من جهة
أخرى، لأن من يحافظ على المندوب، من باب أولى يحافظ على الواجب، ومن يتهاون في
المندوب غالبا ما يتهاون في الواجب.
الفائدة الثالثة: هل يجب المندوب بالشروع فيه؟
الراجح بخلاف ما ذهب إليه الحنفية أنه
لا يجب؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:"الصائم المتطوع أمير نفسه"-أخرجه
أحمد والترمذي والحاكم-، ومن ثم لا يجب قضاؤه على المكلف إذا شرع فيه ولم يتمه،
باستثناء التطوع بالحج أو العمرة فإنه يجب إتمامهما بالدخول فيهما، بدليل الإجماع
المستند إلى قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} البقرة 196، وإذا أفسدهما بعد
الشروع لزمه القضاء.
المباح
التعريف اللغوي:
المباح لغة: اسم مفعول مشتق من الإباحة، ويطلق
على عدة معان منها:
-
الإظهار والإعلان، يقال: باح فلان بالسر، أو أباح السر، أي أظهره وأعلنه،
وباحت الحقيقة، أي ظهرت.
-
الإذن والإطلاق والسماح، يقال: أباح الرجل الأكل من بستانه يعني أطلق وأذن
الأكل منه. وهذا المعنى الثاني هو الأقرب لمعنى المباح في الاصطلاح.
التعريف الاصطلاحي:
المباح اصطلاحا: ما خير الشارع بين فعله وتركه.
صيغ المباح:
-
استعمال لفظ "الحلال" وما اشتق منه، نحو قوله تعالى: {أحل لكم
ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}
-
لفظ "لاجناح"، نحو قوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء
ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة}
-
لفظ "لا حرج": {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على
المريض حرج}، ويستعمل هذا اللفظ كذلك في الكراهة، فإن المكروه بعد الوقوع لا حرج
فيه، كأن يقول قائل: شربت الماء وأنا قائم، فتقول له: لا حرج عليك، وإن كان
مكروها.
-
صيغة الأمر المقترنة بقرينة تصرفها إلى الإباحة، كالأمر بعد الحظر فإنه
يفيد الإباحة، ومنه قوله تعالى: {فالآن باشروهن} بعدما كان محرما.
-
نفي الإثم والمؤاخذة: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه}
المباح باعتبار الجزئية والكلية:
المراد بالجزئية أو بالنظر الجزئي:
النظر إلى المباح في ذاته وبخصوصه فقط، بصرف النظر عن الأمور الخارجة، فهو بهذا
الاعتبار يكون على أصله في الإباحة.
والمراد بالكلية أو النظر الكلي: النظر
إلى المباح في علاقته بالمقاصد الكلية بناء أو هدما، تعضيدا أو تقويضا. فهو بهذا
الاعتبار يختلف باختلاف الأحوال والنيات في علاقتها بالمقاصد الشرعية الكلية بناء
أو هدما، تعضيدا أو تقويضا؛ فكل مباح عاد بالخدمة والتعضيد على المقاصد الكلية فهو
مطلوب الفعل بالكل على جهة الوجوب أو الندب بحسب درجة المصلحة وأهميتها.
وكل مباح عاد بالهدم والتقويض على المقاصد
الكلية، فهو مطلوب الترك بالكل، على جهة التحريم أو الكراهة بحسب حجم المفسدة
وحدتها.
ولذلك يختلف حكم الفعل الواحد المباح
في الأصل باختلاف نية المكلف وحال الفعل؛ فإن التمتع بالمأكل والمشرب واللباس في
الأصل مباح، فإن فعل بنية التباهي والمخيلة والكبر صار حراما، وهو كذلك في حال
الإسراف والتبذير.
واللهو واللعب بأنواعه في المقاهي وغيرها،إن فعل
على وجه الكثرة والمداومة،وإن لم يصرف صاحبه عن واجب ديني كالصلاة أو دنيوي كالسعي
على العيال، فهو بالقيد المذكور: الكثرة والمداومة، مكروه، وينسب فاعله إلى قلة
العقل، وإلى خلاف محاسن العادات، كونه مضيعة للوقت،وانشغالا عن الأولى والأجدى،
فإن صرفه عن واجب ديني أو دنيوي كان حراما.
وإن فعل على وجه القلة، ودعت إليه حاجة
دفع الملل والسآمة عن النفس ، وتجديد نشاطها للجد والعمل، فهو مستحب ما خلا عن
محظور كالقمار أو غيره.
والنزهة بقصد التفكر في خلق الله، أو
الترويح عن النفس للتقوي على عبادة الله، فإنها مستحبة. وكذلك الرياضة بقصد
المحافظة على النفس والتقوي على العبادة، وقد تصير واجبة في حال توقفت حياة المكلف
عليها بإرشاد من الطبيب مثلا.
وهكذا فإن المباحات في الأصل يتغير حكمها بحسب
نية المكلف، وحال الفعل، في علاقتهما بالمقاصد الكلية تعضيدا أو تقويضا. لذلك قال
الإمام الشاطبي رحمه الله: "كل مباح ليس بمباح بإطلاق، وإنما هو مباح بالجزء
خاصة، وأما بالكل فهو إما مطلوب الفعل، أو مطلوب الترك" (الموافقات 1/101).
الحرام
تعريف الحرام:
الحرام لغة: الممنوع، ومنه قوله تعالى:
{وحرمنا عليه المراضع من قبل}، أي: منعناه منهن.
واصطلاحا: هو ما طلب الشارع الكف عن
فعله على وجه الحتم والإلزام، بدليل مطلق عند الجمهور، وبدليل قطعي عند الأحناف.
حكمه: فاعله يستحق العقاب، ومنكره يكفر.
صيغه:
1)
لفظة "التحريم" ومشتقاتها، مثل قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة}.
2)
صيغة النهي المطلق عن القرينة الصارفة عن إفادة التحريم، مثل قوله تعالى:
{ولا تقربوا الزنى}
3)
التصريح بعدم الحل، مثل قوله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن
شيئا}، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث).
4)
أن يذكر الشارع فعلا ثم يرتب عليه عقوبة، فهذا يدل على أن الفعل حرام، ومنه
قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}.
5)
صيغة الأمر التي تطلب الترك والمنع من الفعل، كقوله تعالى: {واجتنبوا قول
الزور}، وقوله: {وذروا ما بقي من الربا}، فإن هذه الصيغة تعتبر من أساليب النهي،
ترجيحا لجانب المعنى على جانب اللفظ؛ حيث إن معنى هذه الأوامر: النهي.
وبعضهم اعتبرها من أساليب الأمر، حيث
إنها تفيد الطلب بصيغة الأمر، والخلاف لفظي لا ثمرة له.
أقسامه:
ينقسم الحرام إلى قسمين:
-حرام لذاته: وهو ما حكم الشارع
بتحريمه في الأصل لما اشتمل عليه من مفسدة راجعة إلى ذاته كالربا والزنا والسرقة.
- وحرام لغيره: وهو ما حكم
الشارع بتحريمه لا لذاته، ولكن لإفضائه إلى محرم ذاتي، أو لاقترانه بعارض اقتضى
تحريمه.
من أمثلة الأول: الخلوة بالمرأة
الأجنبية، أو النظر إلى عورتها، فإنه يفضي إلى محرم ذاتي وهو الزنا، والاقتراض
بفائدة فإنه يؤدي إلى محرم ذاتي وهو الربا.
ومن أمثلة الثاني: البيع وقت النداء
للجمعة، وصوم يوم العيد، والبيع الذي فيه غش...
الفرق بين الحرام لذاته والحرام لغيره
في غير الحد والتعريف:
يختلف الحرام لذاته عن الحرام لغيره في
غير الحد والتعريف في أمرين:
أحدهما: أن الحرام لذاته إذا كان محل
العقد فإنه يبطله، فإذا كان محل العقد مثلا خمرا أو لحم خنزير فإن العقد يكون
باطلا.
بخلاف الحرام لغيره،كالبيع وقت النداء
للجمعة ، فإنه لا يبطل العقد، مع ثبوت
الإثم على العاقد، عند الحنفية والشافعية؛ لأن النهي عن
البيع وقت النداء لصلاة الجمعة ليس لعين البيع، إنما لأمر خارج مقارن له، وهو
تفويت الجمعة، وتعطيل السعي إليها.
والأمر الثاني: الحرام لذاته لا يباح إلا لضرورة، كالخمر لا
يباح إلا لدفع غصة قاتلة تعذر دفعها إلا به، أو كالأكل من الميتة أو من لحم
الخنزير لإنقاذ النفس. بينما الحرام لغيره تكفي في إباحته الحاجة؛ كإباحة رؤية
عورة المرأة لحاجة التطبيب مثلا.
فوائد عامة:
·
كان فقهاء
القرون الأولى المفضلة يحترزون من إطلاق لفظ التحريم في قضايا ومسائل اجتهادية
ليست صريحة في الشرع، وذلك خشية الوقوع في مخالفة قوله تعالى: {ولا تقولوا لما تصف
ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب} النحل116.
قال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة:
" أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون في
الفتيا أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام، إلا ما كان في كتاب الله عز وجل بينا بلا
تفسير".(الشافعي، الأم، كتاب سير الأوزاعي، ج7، ص371)
ومن حرم ما لم يحرمه الله فهو كمن أحل ما حرمه الله. ودليل
القاعدة قوله تعالى:
{قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا
تشهد معهم} الأنعام:150.
·
هل يثاب
تارك الحرام أم لا؟
نعم يثاب إذا تركه بنية الامتثال.
·
العقاب في
ارتكاب المحرم أشد من العقاب في ارتكاب المكروه تحريما.
المكروه
تعريفه:
المكروه لغة: ضد المحبوب.
وفي اصطلاح الجمهور: هو ما طلب الشارع
الكف عنه طلبا غير جازم، بأن كان منهيا عنه، مع اقتران النهي بما يدل على أنه لم
يقصد به التحريم.
أما في اصطلاح الأحناف فهو: ما طلب
الشارع تركه لا على وجه الحتم والإلزام، أو على هذا الوجه بدليل ظني.. فهو عندهم
قسمان:
-
المكروه كراهة تحريمية: وهو ما طلب الشارع تركه على وجه الحتم والإلزام
بدليل ظني كأخبار الآحاد، ومن أمثلته: البيع على البيع، والخطبة على الخطبة، ولبس
الحرير للرجال...
وحكمه: فاعله يستحق العقاب، ومنكره لا
يكفر.
-
المكروه كراهة تنزيهية: وهو ما طلب الشارع تركه لا على وجه الحتم والإلزام
كأكل لحم الخيل.
وحكمه: فاعله لا يستحق العقاب، وتاركه
طاعة لله ورسوله يستحق الثواب.
صيغ المكروه:
1) لفظة "كره"
ومشتقاتها، ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله كره
لكم قيل وقال وكثرة السؤال"
2) لفظة "بَغَض" وما
يشتق منها، ومنه ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أبغض الحلال
إلا الله الطلاق".
3) لفظة النهي: "لا
تفعل" إذا احتفت بها قرينة تصرفها عن التحريم إلى الكراهة، مثل قوله تعالى:
{لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}، فإن النهي في قوله: "لا تسألوا"
للكراهة وليس للتحريم، بسبب قرينة صارفة، وهي آخر الآية: {وإن تسألوا عنها حين
ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور رحيم}. فالسؤال عما لا يعرف ليس بحرام.
وهناك صيغ أخرى للكراهة غير ما ذكر،
تعرف من سياق الكلام.
تنبيه:
الكراهة إذا أطلقت عند الحنفية في
مصنفاتهم تصرف إلى التحريم، وعند الجمهور تصرف إلى التنزيه، فاعلم.
شكرا جزيلا أستادي
ردحذفوفقك الله