التسميات

استغراق مفهوم العلم في الإسلام لكل العلوم النافعة إدريس اوهنا

استغراق مفهوم العلم في الإسلام لكل العلوم النافعة



 من حقائق العلم في الإسلام أنه لا يقتصر على العلوم الدينية الشرعية كعلم التفسير والفقه والأصول والحديث والعقيدة والقراءات... وما يتوسل به إلى اكتساب هذه العلوم واستيعابها وهي علوم الآلة من نحو وصرف وبلاغة... 
بل يتجاوزها إلى العلوم المادية والإنسانية كلها كالفيزياء والكيمياء والرياضيات والإعلاميات واللغات والطب والجغرافية والتاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس وغيرها. فكل ذلك في ميزان الإسلام علم أمر الشارع بتحصيله، مع شرف زائد للعلم الشرعي ووسائل تحصيله لأن به يفهم كلام الله ومراده، وبه يتحقق العلم بسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهما معا – القرآن والسنة- رسالة رب العالمين للناس أجمعين إلى يوم الدين.

وإذا كانت العلوم الشرعية مفاتيح لفقه كتاب الله المسطور، فإن العلوم المادية والإنسانية مفاتيح لفقه كتاب الله المنظور أو المنشور الذي هو الكون، وتوظيف هذا الفقه في التنمية والعمران، ومن هنا كانت أهميتها الكبيرة في ديننا؛ قال تعالى: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" – البقرة 164-
إذا تأملنا هذا النص وحده وجدناه يشير إلى عدد من العلوم المادية: علم الفلك، علم الملاحة وما يتعلق بعالم البحار، علم الجيولوجيا ، علم البيولوجيا، علم الأرصاد الجوية... 
وعندما قال الله سبحانه وتعالى:[ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ] قالها بعد أن ذكر آياته في خلقه: في السماء والماء والنبات والجبال والإنسان والحيوان، مما يوحي أن العلماء المذكورين هم علماء الطبيعة والظواهر الكونية؛ قال تعالى : "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ  (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)"- فاطر- 

وفي علم الطب كمثال على اهتمام الإسلام بما سوى العلوم الشرعية سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الأدوية التي تتخذ للعلاج: هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال عليه الصلاة والسلام: هي من قدر الله. 
وجاء أعرابي فقال: يا رسول الله أنتداوى؟ قال: نعم، فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله".. فالمسألة مسألة علم أو جهل لا أقل ولا أكثر. 

كما أن مفهوم العلم في الإسلام لا يستثني تعلم اللغات الأجنبية أيضا؛ "فقد كان عنده صلى الله عليه وسلم من أصحابه من يعرف الفارسية والرومية والحبشة ويكفيه هم الترجمة منها وإليها، ولكن لم يكن عنده من يعرف اللغة السريانية التي يكتب بها يهود، فأمر بذلك عنده كاتب وحيه الأنصاري النابغة زيد بن ثابت رضي الله عنه يتقنها قراءة وكتابة ويستغني بها عن الوسطاء من اليهود في ذلك" – الرسول والعلم ص 41- 
فالحاصل أن مفهوم العلم في الإسلام يتسم بالشمولية بحيث يضم إلى جانب العلوم الشرعية العلوم المادية والإنسانية ، ويجب أن تحظى هذه الأخيرة بقدر كبير من الاهتمام، شأنها شأن العلوم الشرعية، كما يجب أن يحظى علماؤها من كفاءات هذه الأمة بنفس التقدير والتبجيل الذي يحظى به المشايخ وعلماء الدين. 

ويجب التعامل مع هذه العلوم الكونية بمنهج مستمد من رؤية عقدية تجعل من هذه العلوم علوما يشكر الله بها ولا يكفر،علوما تعبدنا إلى الله، ولا تدعنا نرعى مع الهمل كالبهائم والعجماوات، علوما تجعلنا نرعى حقوق الله وحقوق عباده وحقوق الكون بأسره..فنعيش في أمن وعدل، وفي سلام ووئام، وإلا عم الفساد والخراب، مستقويا بالعلم التقني الأعمى، الذي فقد القدرة على الإبصار بسبب فقدانه نور البصيرة، المتمثل في الإيمان.. فظل أسير السؤال الإجرائي: كيف؟ معرضا عن السؤال الإنساني الغائي: لماذا؟
شارك:

0 comments:

إرسال تعليق

ouhna.blogspot.com

موضوع مقترح

موجز السيرة الذاتية

ابحث في هذه المدونة

أرشيف المدونة الإلكترونية

Blog Archive