آيات وتأملات
الحوار مع المشركين
نص الانطلاق:
قال الله تعالى:
]قُلْ
أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ
الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ
هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ[([1]).
وقفة تدبرية:
ننطلق في تلمس أسلوب القرآن الكريم في محاورة المشركين من هذه الآية من
سورة الأحقاف على سبيل التمثيل لا الحصر، وإلا فإن كتاب الله تعالى زاخر بالآيات
التي حاور فيها الحق عز وجل هؤلاء، بل إن هناك سورة كاملة في القرآن الكريم عدها
العلماء أصلا في محاجة المشركين، وهي سورة الأنعام([2]).
ومما يستفاد من نص الانطلاق السابق ما يلي:
أهمية الاستفادة من
الكون، واستقاء الدليل والحجة منه، في مواجهة الطرف المحاوَر وإقناعه.
يزودنا النص أيضا
بمنهجية الاستدلال الصحيح، والأسلوب السليم في المناقشة والمحاورة: ]إيتوني
بكتاب من قبل هذا أو أثرة من علم إن كنتم صادقين[، تماما كما يقول الأصوليون: "إذا
كنت ناقلا فالصحة أو مدعيا فالدليل"، وليس كما نلاحظ اليوم في واقعنا حيث
الاتهام بلا بينة، والحكم من غير دليل، مما يسهم في توسعة دائرة الخلافات بين
الأحزاب والمذاهب والجماعات
والأفراد، وكلها راجعة إلى غياب المنهج المذكور الذي يقوم على الدليل والبرهان،
ويرفض الاحتكام إلى مجرد الظن والهوى.
شساعة مجال العملية
الحوارية بالشكل الذي تنفتح على كل القضايا والمسائل حتى العقدية منها، وبطبيعة
الحال في حدود ما يجوز التحاور فيه شرعا وعقلا. إذ الحوار الذي يناقض البديهيات
العقلية لا يمكن إلا أن يكون حوار المجانين، كما أن الحوار الذي يقفز على حرمات
الشرع، ولا يعيرها أي اعتبار لا يمكن إلا أن يكون حوار الهلكى الخاسرين.. ولذلك
نبهنا الله تعالى إلى عدم الخوض في كل نقاش أو حوار يشتم فيه الله ورسوله، ويُتعرض
فيه للمقدسات الدينية بالطعن أو الهزء والسخرية؛ قال سبحانه وتعالى: ]وقد
نُزِّل عليكم في الكتاب أن اذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا
معهم حتى يخوضوا في حديث غيره. إنكم إذاً مثلهم. إن الله جامع المنافقين والكافرين
في جهنم جميعا[([3]).
ذلك أنه لا نقاش في قبول أو
رد ثوابت وقطعيات من الدين؛ كما يدل على ذلك قوله تعالى: ]فلا
وربك لا يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت
ويسلموا تسليما[([4])، وقوله: ]وما
كان لمومن ولا مومنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم. ومن
يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا[([5]).
0 comments:
إرسال تعليق