التسميات

الحوار مع المنكرين للبعث والنشور / إدريس أوهنا


آيات وتأملات

 الحوار مع المنكرين للبعث والنشور


نص الانطلاق:
قال الله تعالى:
]أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ.وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ.قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ[([1]).

تدبر ونظر:
الحوار في هذا الموضوع ينقل الفكر من الواقع الحاضر إلى المتوَقّع الغائب.. ولكل منهما عناصر:
عناصر الواقع الحاضر أو المشاهَد: 
         - النطفة التي تتحول إلى إنسان.                                     
       - النشأة الأولى للإنسان.
عناصر المتوقع الغائب غير المشاهد:
         - العظم الرميم الذي يتحول إل مخلوق حي.
              - النشأة الثانية للإنسان.
والمنطق العقلي الذي يربط بينهما هو منطق القياس: قياس تحويل العظم الرميم إلى مخلوق حي على تحويل النطفة إلى إنسان. وقياس النشأة الثانية على النشأة الأولى.. والعامل في القياسين معا هو القدرة الإلهية: فمادام الله تعالى قادرا على خلق الإنسان أول مرة ولم يكن شيئا مذكوراً، فهو قادر على بعثه بعد الموت تارة أخرى وهو عليه أهون([2]). كما أن قدرته على خلق الإنسان من نطفة دليل على تحقق هذه القدرة في تحويل العظم الرميم إلى خلق جديد.
فانظر إلى هذا المنطق البرهاني العظيم الذي لا يترك للعقل السليم مجالا للهروب من مواجهة الحقيقة والإقرار بها. ما دفع سيد قطب إلى إلى القول معلقا: «يا للبساطة! ولمنطق الفطرة! ومنطق الواقع القريب المنظور! وهل تزيد النطفة حيوية أو قيمة أو قدرة على العظم الرميم المفتوت؟ أو ليس من تلك النطفة كان الإنسان؟ أو ليست هذه النشأة الأولى؟ أوليس الذي حول تلك النطفة إنسانا وجعله خصيما مبينا بقادر على أن يحول العظم الرميم مخلوقا حيا جديداً؟
إن الأمر أيسر وأظهر من أن يدور حوله السؤال، فما بال الجدل الطويل؟!»([3]).
وإذا كان المنطلق في محاورة المنكرين للبعث في النص السابق هو واقع الإنسان في ذاته، فإن المنطلق في محاورتهم في مواضع أخرى كان هو الواقع الكوني، كما في قوله تعالى في سورة "ق": ]ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ  وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ[([4]).
فانظر كيف لفتت هذه الآيات أنظار المنكرين للبعث «إلى قدرة الله العظيمة، المتجلية في صفحات هذا الكون المنظور»([5])، لتقودهم من خلال ذلك إلى الإقرار بقدرته على بعث الأموات، ويكفي لبلوغ هذا الإقرار الوقوف عند مشهد واحد من مشاهد هذا الكون المنظور وهو تلك الأرض الهامدة اليابسة التي ما إن تختلط بماء السماء حتى تدب فيها الحياة من جديد: ]وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج[؛ يقول ابن كثير: «وهذه الأرض الميتة كانت هامدة، فلما نزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج من أزاهير وغير ذلك مما يحار الطرف في حسنها، وذلك بعدما كانت لا نبات بها فأصبحت تهتز خضراء، فهذا مثال للبعث بعد الموت، فكما أحيا الله الأرض الميتة كذلك يحيي الله الموتى»([6]).
إنها الحجة البرهانية التي تقوم على القياس العقلي الصحيح لإفادة اليقين الذي ليس بعده إلا المعاندة والمكابرة والجحود.


[1] - سورة يس، الآيات76-78.
[2] - وهو عليه أهون؛ بالنسبة لمنطقنا نحن البشر، وإلا فكل شيء على الله هين.
[3] - "في ظلال القرآن"، 5/2977.
[4]- سورة ق، الآيات:1-11.
[5] - "صفوة التفاسير"، 3/223.
[6] - "مختصر تفسير ابن كثير"، 3/372.

شارك:

0 comments:

إرسال تعليق

ouhna.blogspot.com

موضوع مقترح

موجز السيرة الذاتية

ابحث في هذه المدونة

أرشيف المدونة الإلكترونية

Blog Archive