التسميات

مادة: الكليات الشرعية الفصل الخامس "ملخص المحاضرات"/ إدريس أوهنا





مادة: الكليات الشرعية 
الفصل الخامس 
"ملخص المحاضرات"


المطلب الأول: المراد بالكليات الشرعية
            أ- تعريف الكلية الشرعية باعتبارها مركبا
تتركب الكليات الشرعية من لفظي"الكلية"و"الشرع"، فكان لابد في تعريف الكليات الشرعية من تعريف هذين اللفظين لغة واصطلاحا.
أ-1: تعريف "الكلية" في اللغة والاصطلاح.
أ-1-1: تعريف "الكلية" لغة.
         "الكلية" في اللغة مأخوذة من "الكل" وقد استعملت في المعاجم اللغوية بمعان، تؤول عند النظر والتأمل إلى ثلاثة، وهي :
- الجمع والإحاطة والاستغراق، وقد استعملت في تعريف الكل لغة بمعنى واحد، ولذلك ارتأيت الجمع بينها، جاء في لسان العرب: "الكل: اسم يجمع الأجزاء، يقال: كلهم منطلق وكلهن منطلقة ومنطلق، الذكر والأنثى في ذلك سواء."( )، وسئل المبرد عن قوله عز وجل: فسجد الملائكة كلهم أجمعون فقال: "لو جاءت فسجد الملائكة احتمل أن يكون سجد بعضهم، فجاء بقوله كلهم لإحاطة الأجزاء."( )، وقال صاحب المصباح: "و(كل) كلمة تستعمل بمعنى الاستغراق بحسب المقام كقوله تعالى: (والله بكل شيء عليم) وقوله صلى الله عليه وسلم: (وكل راع مسؤول عن رعيته)( ).
- الكثرة: جاء في المصباح المنير: "وقد يستعمل – أي الكل- بمعنى الكثير كقوله (تدمر كل شيء بأمر ربها) أي كثيرا لأنها إنما دمرتهم ودمرت مساكنهم دون غيرهم."( )
- التناهي: كقولنا: (الشجاع كل الشجاع) أو (العالم كل العالم) أو (الكريم كل الكريم)، يراد بذلك التناهي، وأنه قد بلغ الغاية فيما وصف به من الخصال.( )
والمعنى الأول هو المناسب تماما للدلالة الاصطلاحية للكلية الشرعية التي تشترط في مفهومها الاطراد في جميع الجزئيات، كما سيأتي لاحقا.
أ-1-2: "الكلية" في الاصطلاح
    عرف الإمام القرافي الكلية بقوله: "الكلية هي عبارة عن  الحكم على كل فرد من أفراد تلك المادة حيث لا يبقى منها فرد وإلا فهي جزئية لا كلية"( ).
وعرفها أبو البقاء الكفوي بقوله : "الكلية هي الحكم على كل فرد فرد نحو: كل بني تميم يأكلون الرغيف"( )
أهم ما في التعريفين هو نعت الكلية بالحكم مع شمول هذا الحكم واستيعابه  لكل فرد من أفراد الكلية( )، والحكم في ماهيته أو في معناه العام هو إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه بواسطة، وقد ورد في التعريفين مطلقا عن التقييد ليشمل الحكم العقلي والحكم العادي  والحكم الشرعي.. ويتقيد بأحدها بحسب سياق استعماله، على أساس أن ينطبق على جميع جزئياته بحيث لا يتخلف منها شيء.
ولا شك أن سياق استعماله ، فيما نحن فيه، هو المعاني الشرعية خاصة، ولذلك قال الدكتور الريسوني: " إن ما أعنيه بالكليات، أو الكليات الأساسية، هو المعاني والمبادئ والقواعد العامة المجردة التي تشكل أساسا و منبعا لما ينبثق عنها وينبني عليها من تشريعات تفصيلية وتكاليف عملية، ومن أحكام وضوابط تطبيقية. 
فالكليات هنا هي ما يقابل الجزئيات، ولو عبرنا عن الصنفين بالأصول والفروع لكان صحيحا ومطابقا، لكن بالمعنى العام للأصول والفروع، وليس فقط بالمعنى الأصولي الفقهي الذي يحصر الأصول في أدلة فقهية (الأدلة الأصولية)، ويحصر الفروع فيما تدل عليه من أحكام فقهية. 
الكليات أو الأصول هنا تعني معتقدات وتصورات عقدية، وتعني مبادئ عقلية فطرية، وتعني قيما أخلاقية، ومقاصدية عامة، وقواعد تشريعية."( )
فالكليات الشرعية إذن، لا تقف عند حدود الأحكام العملية، بل تتجاوزها إلى جميع مجالات الشريعة، بدون استثناء.

أ-2: تعريف "الشرع" في اللغة والاصطلاح.

أ-2-1: الشرع والشريعة في اللغة. 

الشرع والشريعة والشرعة والتشريع في اللغة كلها راجعة إلى أصل واحد هو مـــادة "شرع"، قال صاحب المصباح:
" (الشرعة ) بالكسر الدين، والشرع والشريعة مثله، مأخوذ من الشريعة وهي مورد الناس للاستقاء، سميت بذلك لوضوحها وظهورها، وجمعها شرائع، وشرع الله لنا كذا يشرعه أظهره وأوضحه "( ) 
ووجه المناسبة بين الشريعة وهذه المعاني اللغوية: مورد الناس للاستقاء، الوضوح والظهور من جهة، والتطهر والارتواء والنجاة من جهة ثانية ، أي أن من اتبع أحكام الشريعة، واهتدى بهديها في تفاصيل حياته ارتوى وتطهر، وسار على الطريق الواضح المفضي إلى النجاة والفوز.

أ-2-2: الشرع والشريعة في الاصطلاح.
تطلق الشريعة في اصطلاح علماء الشريعة بمعنى عام ومفهوم موسع شامل لجميع أحكام وتكاليف ومجالات الشريعة؛ "فالدين والملة والشريعة في هذا المفهوم الموسع، شيء واحد"( )
ومما يستدل به على هذا المعنى قوله تعالى: [ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه]( )
وتطلق بمعنى خاص ومفهوم مضيق قاصر على الأحكام العملية، دون غيرها من الأحكام الشرعية الأخرى. ومما يستدل به على هذا المعنى قوله تعالى:   [ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ]( )، "فهو يدل على التغيير والاختلاف بين الشرائع المنزلة، وهذا لا يكون إلا في الأحكام العملية، أما العقيدة فهي ثابتة مع الثوابت المشتركة بين الشرائع، بل هي الركن الأعظم في تلك الثوابت"( )
ويبقى الأصل في المعنى الاصطلاحي للشريعة هو المعنى الأول، أي: ما شرع الله لعباده من أحكام بصفة عامة؛ سواء تعلقت بالعقائد، أو العبادات، أو الأخلاق، أو المعاملات؛  قال القرطبي: "والشريعة ما شرع الله لعباده من الدين"( )

ب- تعريف الكلية الشرعية باعتبارها لقبا:
الكليات الشرعية اسم ولقب لمبحث مخصوص من مباحث العلوم الشرعية لم يحض بالدراسات المستقلة ، وبالإبراز والاهتمام من علماء الأمة وباحثيها إلا في الآونة الأخيرة( )، وهذا لا ينفي حضور الفكرة بوضوح عند العلماء القدامى كذلك، من ذلك ما نبه عليه ابن تيمية بقوله:
" إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عيه وسلم بجوامع الكلم، فيتكلم بالكلمة الجامعة العامة، التي هي قضية كلية، وقاعدة عامة تتناول أنواعا كثيرة، وتلك الأنواع تتناول أعيانا لا تحصى، فبهذا الوجه، تكون النصوص محيطة بأحكام أفعال العباد."( )
والمراد بالكليات الشرعية، استنادا إلى ما تم تقريره في تعريف "الكلية" وفي تعريف "الشرع" لغة واصطلاحا هو: معاني الوحي الكلية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن ثم فإن كل قاعدة نقلية كلية ينطبق حكمها العام على جميع جزئياتها فهي كلية شرعية.


المطلب الثاني: أهمية الكليات الشرعية 
تظهر أهمية الكليات الشرعية وقيمتها العلمية والعملية من وجوه كثيرة، نذكر منها:
1) احتفاء القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والصحابة الكرام بها، كما تدل على ذلك نصوص وشواهد كثيرة.
2) الكليات الشرعية طريق لفهم النصوص الشرعية فهما صحيحا، إما بتأكيد معاني النصوص الجزئية، أو بتخصيص عموماتها، أو بتقييد مطلقاتها، أو بالتنبيه على ضعف الرواية أووضعها في حال معارضتها للكلية الشرعية معارضة كلية.. وبذلك يتضح ما يشكُل من جزئيات كثيرة.
3) الكليات الشرعية طريق لاستنباط الأحكام الشرعية للنوازل والمستجدات، بإدخال ما لا نص فيه بخصوصه في حكمها الكلي، وكفى به ردا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تومنون بالله واليوم الآخر)
4) الكليات الشرعية طريق لتسديد الحياة الخاصة والعامة للمكلفين، بما يجعلهم يجنون ثمرتين أساسيتين:
- ثمرة القربة والتعبد؛ بحكم توجه القصد إلى امتثال أحكام كليات الشريعة والعمل بها.
- ثمرة الريادة في تشييد العمران الحضاري الراشد. وخذ على سبيل المثال لا الحصر، لو ضبطت الأمة جزئيات حياتها الخاصة والعامة على مقتضى كلية "الإحسان".. فلا شك تجد أفرادها يحسنون للوالدين وللأولاد وللأزواج وللجيران، ويحسنون القراءة وطلب العلم، ويحسنون تربية النفوس وتزكيتها، ويحسنون الاختراع والابتكار، ويحسنون للإنسان وللحيوان وللنبات، ويحسنون الحوار والتواصل والإنصات، ويحسنون- بتضعيف السين وكسرها- مستوى تعليمهم وإعلامهم، ويرفعون من مستوى اقتصادهم وتماسكهم الاجتماعي، ويحسنون جهاد العدو متى لزم؛ فلا يقطعون شجرة ولا يقتلون طفلا أو امرأة أو شيخا، ولا يمثلون بجثة، إلى آخر ما هنالك من تجليات الإحسان في السلوك الخاص والعام.
5) الكليات الشرعية طريق لتذوق كمال الشريعة وجمالها، لكون هذه الكليات تنظم بقواعدها ومبادئها السامية والعادلة حياة الإنسان في علاقته بخالقه، وفي علاقته بنفسه، وفي علاقته بأخيه الإنسان، وفي علاقته بالعوالم المحيطة به: عالم الحيوان وعالم النبات وعالم الجمادات، في نظام كلي متناسق جميل.
6) الكليات الشرعية طريق لتضييق الخلاف، وإرساء دعائم الوحدة بين المسلمين، أفرادا وتنظيمات ومذاهب، وذلك باتخاذ محكمات الوحي ومعانيه الكلية منطلقا للتنظير وبوصلة للتفكير، من غير إهمال للنصوص الجزئية، عملا بقاعدة: إعمال الدليلين خير من إهمال أحدهما؛ وأقصد بالدليلين هاهنا: الدليل الكلي والدليل الجزئي.
هذه باختصار شديد بعض الأوجه التي تبرز أهمية الكليات الشرعية، بما يؤكد قيمتها العلمية والعملية، وحاجة الأمة إليها لاسترداد عافيتها، واستئناف عطائها الحضاري، واسترجاع سيادتها وريادتها رحمة للعالمين.

المطلب الثالث: أركان الكلية الشرعية ومصادرها
عند التحقيق، وتأسيسا على المعنى الاصطلاحي للكلية الشرعية، يتبين أن لها ركنين اثنين:
الركن الأول: النقلية ؛ بأن يكون مستند القاعدة هو النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك وصفت هذه الكليات بالشرعية( )
الركن الثاني: الكلية ؛ بأن يتوصل إلى القاعدة عن طريق استقراء مواقع المعنى في الأدلة الجزئية(آحاد النصوص الشرعية) حتى ينتظم منها قاعدة كلية عامة، يسري جريان حكمها على جميع ما يندرج تحتها من فروع على سبيل الاطراد.
وحتى إن صيغ المعنى في النص الشرعي صياغة تجريدية عامة محكمة، فإنه لا يصير كلية شرعية إلا بتضافر النصوص الشرعية الأخرى وتظاهرها على المعنى ذاته المتضمن في ذلك النص. 
وبذلك تنحصر مصادر الكليات الشرعية في مصدرين اثنين لا ثالث لهما هما: القرآن الكريم والسنة النبوية.

المطلب الرابع: أقسام الكليات الشرعية                                                 
تنقسم الكليات الشرعية إلى أقسام باعتبارات مختلفة:
* أقسام الكليات الشرعية باعتبار ذاتها:
تنقسم الكليات الشرعية بالنظر إلى ذاتها إلى قسمين:
- نصية: وهي التي تولى النص الشرعي صياغتها صياغة تجريدية عامة على أن تشهد لها نصوص أخرى متفرقة.
- استقرائية: وهي المأخوذة من نصوص شرعية كثيرة بطريق التتبع والاستقراء.
* أقسام الكليات الشرعية باعتبار مجالها:
تنقسم الكليات الشرعية باعتبار مجال الاستدلال لها والاستدلال بها إلى نوعين:
- عامة: تنتظم من جميع أبواب الشريعة، وتحكم على جميع جزئيات الأعيان في الواقع، ومنها الكليات الخمس: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال.. ومنها: كلية العبادة، وكلية فعل الصالحات، وكلية الاستخلاف، وكلية العدل، وكلية التعاون على البر والتقوى، وكلية التناهي عن الإثم والعدوان، وجميع المعاني الشرعية الكلية التي لا تقتصر على مجال دون مجال، بل هي مطلوبة في كل المجالات، حاضرة في مختلف مناحي الحياة.
- خاصة: تختص بمجال من مجالات الشريعة، وتتوزع تبعا لذلك إلى أنواع :
كليات عقدية (الإيمان بالله، الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بالنبوات...)
كليات خلقية قيمية ( الاستقامة، التقوى، العلم، العفة، الأمانة، الورع، الصبر، الصدق، العمل، النظام ...)
كليات مقاصدية ( جلب المصالح ودرء المفاسد، إخراج المكلف عن داعية هواه، التيسير ورفع الحرج ...)
كليات سننية ( الظلم مؤذن بخراب العمران، الاتحاد قوة، التفرق ضعف، سنة الاختلاف، سنة التدرج، سنة النظام والتنظيم، سنة التدافع، سنة التداول، سنة التجديد، سنة الاحتراز والوقاية،سنة الابتلاء، سنة الاهتداء، سنة الاستعانة بالله ...)
كليات تشريعية (تتعلق بالأحكام العملية إجمالا لا تفصيلا بحيث تندرج تحتها القواعد الفقهية والضوابط وسائر الأحكام الجزئية) ومنها: تحليل الطيبات وتحريم الخبائث، الأصل في الأشياء الإباحة والأصل في الذمم البراءة، لا تحريم إلا بدليل، لا تكليف بما لا يطاق، اليقين لا يزول بالشك، الضرر يزال، العادة محكمة، المشقة تجلب التيسير، الأمور بمقاصدها( )...)
كليات دعوية ( الدين النصيحة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الجدال بالتي هي أحسن، الحكمة، الرفق، العلم، الصبر على الأذى...)
كليات سياسية ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، العدل أساس الملك، الشورى، الأمانة، حسن التخطيط، حسن التدبير والتسيير...)
كليات اقتصادية ( كلية حفظ المال، كلية:المال مال الله والناس مستخلفون فيه، كلية الاكتساب، كلية الإنفاق، كلية الإنماء، كلية الإعمار...)
وهناك كليات شرعية – غير ما ذكرنا- تتعلق بالمجال الاجتماعي، وبمجال الأسرة خاصة، وأخرى تتعلق بالمجال الكوني الإنساني،إلخ. وعلى العموم لا يخلو مجال من مجالات الشريعة، ولا منحى من مناحي الحياة من كليات شرعية عامة تنظمه، وترسم معالمه الأساسية.
* أقسام الكليات الشرعية باعتبار مصدرها:
تنقسم الكليات الشرعية باعتبار مصدرها إلى كليات شرعية مصدرها: القرآن الكريم، وكليات شرعية مصدرها: السنة النبوية، وكليات شرعية مستقرأة من نصوص القرآن والسنة كليهما.

المطلب الخامس: تعريف مصطلحات مجاورة:
 تعريف القاعدة الأصولية: هي دليل كلي يتوصل به إلى استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية.     
تعريف القاعدة الفقهية: عرف العلماء القاعدة الفقهية تعريفات متعددة ومتنوعة، أرى من أحسنها تعريف الإمام أبي عبد الله المقري من القدماء، جاء فيه: كل كلي هو أخص من الأصول  وسائر المعاني العقلية العامة، وأعم من العقود وجملة الضوابط الفقهية الخاصة( ).                                 
 وكذا تعريف ذ محمد الروكي من المعاصرين ورد فيه أنها: حكم كلي مسند إلى دليل شرعي، مصوغ صياغة تجريدية محكمة منطبق على جزئياته على سبيل الاطراد أو الأغلبية( ).       
 فالأصل في القاعدة الفقهية حسب تعريف الروكي أن تكون مطردة، وحالها أنها أغلبية أو أكثرية لا مطردة، إذ لابد أن تكون لها   مستثنيات.                                                     
  الضابط الفقهي: قال تاج الدين السبكي في الأشباه والنظائر: والغالب فيما اختص بباب وقصد به نظم صور متشابهة أن يسمى  ضابطا.( )                                       وقال السيوطي: القاعدة تجمع فروعا في أبواب شتى، والضابط يجمع فروعا من باب واحد( ).                             
 يظهر من التعريفين أن الضابط الفقهي بمعناه الاصطلاحي الخاص هو أخص من القاعدة الفقهية، إذ القاعدة الفقهية تضبط الفروع من بابين فأكثر، والضابط يضبط الفروع من باب واحد وإن تعددت بالمئات.                                                                ولذلك يمكن القول إن الضابط قاعدة خاصة بباب واحد، وبهذا يكون بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي عموم وخصوص مطلق، فكل ضابط قاعدة ولاعكس.                                    الأشباه والنظائر: هو علم يبحث في الفروع الفقهية المتشابهة صورة وحكما، أو صورة لا حكما، بالإضافة إلى مباحث أخرى كالألغاز والحيل.  
الفروق: علم يبحث في الفروع الفقهية المتشابهة في الصورة، المختلفة في الحكم، لعلل أوجبت ذلك الاختلاف.
النظرية الفقهية : هي دراسة موضوعية مستقلة بجانب من  جوانب الفقه الإسلامي كنظرية الضمان ونظرية العقد، ونظرية الملكية، ونظرية الأهلية....

المطلب السادس:خصائص الكليات الشرعية
1- القطعية بإطلاق: فما من كلية شرعية إلا وحكمها الكلي  قطعي باعتبارها قائمة على الاستقراء لمعاني النصوص الشرعية من غير أن تشذ جزئية عن حكمها الكلي العام.
2- العموم والاطراد بإطلاق: ما من كلية شرعية إلا وتنتظم بها جميع الفروع والمسائل المندرجة تحت حكمها الكلي الواقعة والمتوقعة، من غير شذوذ ولا استثناء.                                          
3- الإحكام: خصوصا في جانب المعنى حيث تتميز الكلية الشرعية عن غيرها من القواعد بانتفاء التشابه( ) وانتفاء النسخ( ).    
وتشترك مع غيرها من القواعد في خصيصة الإحكام في المبنى، والمراد به:
                - الإيجاز في العبارة.                         
                 - الإجادة في التعبير عن المعنى. 
                 - التجريد من غير تشخيص أوتعيين.   
                                        
المطلب السابع: مسالك إثباتها
مادامت الكليات الشرعية هي معاني الوحي الكلية مصوغة في شكل قواعد محكمة منصوصة في الكتاب والسنة، أو موضوعة ( من حيث الصياغة والشكل فقط) من قبل العلماء والمختصين فإن مسلك إثباتها هو الاستقراء إذ بدون تتبع المعنى الشرعي في النصوص الشرعية وانتظامه فيها لا يمكن إضفاء طابع الكلية عليه بما يصيره كلية شرعية حاكمة على جميع جزئياتها. 
ولذلك لا يكفي في الكلية الشرعية أن ترد منصوصة في آحاد النصوص، أو أن يكون المعنى مستنبطا من آحاد النصوص، حتى تشهد نصوص كثيرة ومتفرقة على ذات المعنى فيطلق عليه حينئذ لقب الكلية الشرعية، فالاستقراء مع النص على المعنى الشرعي، أو الاستقراء مع استنباط المعنى الشرعي من النص، بما يفضي إلى استنباط القاعدة الكلية هو ما ينتج الكليات الشرعية.
ومن ثم فاستخراج الكلية الشرعية لا يخرج عن مسلكين اثنين هما: الاستقراء والاستنباط.

المطلب الثامن: منهج إعمال الكليات الشرعية والنصوص الجزئية
إن كثيرا من الخلافات والنزاعات التي كانت وماتزال بين علماء الأمة وجماعاتها ومذاهبها، مردها - بالدرجة الأولى- إلى أخلال في المنهج لا إلى قصور في المعرفة.
     ومن بين هذه الأخلال المنهجية ، النظر إلى كثير من القضايا والموضوعات إما من زاوية الدليل الجزئي – أي النص التفصيلي في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم – مع إغفال الكليات الشرعية والمبادئ العامة المستقرأة من مجموع نصوص الكتاب والسنة، وإما العكس.
فإذا كان أدعياء المدرسة الظاهرية لا يلتفتون إلى القواعد الشرعية الكلية، مقاصدية( ) كانت، أو عقائدية، أو أخلاقية، أو غيرها، ليفهموا النصوص الجزئية في ضوئها،
 فإن أدعياء المدرسة المقاصدية، سواء الذين ينطلقون من المرجعية الإسلامية أو المرجعية الحداثية، كثيرا ما يردون النصوص الجزئية وإن ثبتت صحتها،  أوعلى الأقل يتجاهلونها، بدعوى تعارضها مع قواعد الوحي أوقواعد العقل الكلية.
والحال أنه لا يمكن للكليات الشرعية – كما هو الحال بالنسبة للكليات العقلية الصريحة- أن تتعارض تعارضا حقيقيا مع النصوص الجزئية الصحيحة ، لأن الشيء لا يمكن أن يناقض نفسه. والكليات الشرعية هي كليات نقلية؛ إما نصية تشهد لها نصوص متفرقة ، أو استقرائية ناتجة عن تتبع المعنى الواحد في نصوص كثيرة. فلا يمكن أن يحصل التعارض بينها وبين نصوص الوحي الجزئية، وإلا تناقض الخطاب الشرعي مع نفسه، وهذا مستحيل. وهو ما قرره الإمام الشاطبي في الموافقات؛ حيث نفى التعارض الذاتي بين الكلي والجزئي ، قال رحمه الله : 
"ّ إذ الكلي لا ينخرم بجزئي ما ، والجزئي محكوم عليه بالكلي ، لكن بالنسبة إلى ذات الكلي والجزئي ، لا بالنسبة إلى الأمور الخارجة "( ) .
وقال الدكتور يوسف القرضاوي :
" وما كان للبيان أن يناقض المبين ، ولا للفرع أن يعارض الأصل "( ) 
فإذا بدا تعارض في الظاهر – أما في حقيقة الأمر فيستحيل كما ذكرنا – بين كلية شرعية ونص جزئي. فلابد من الجمع بينهما في النظر والاجتهاد. بحكم أن العلاقة بين الكليات الشرعية وجزئيات النصوص هي علاقة توافقية تكاملية ، تستوجب ضرورة إعمال جزئيات النصوص في كلياتها والعكس .
جاء في الموافقات :
" فمن الواجب اعتبار تلك الجزئيات بهذه الكليات عند إجراء الأدلة الخاصة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس ، إذ محال أن تكون الجزئيات مستغنية عن كلياتها ، فمن أخذ بنص مثلا في جزئي معرضا عن كليه فهو مخطئ ، كذلك من أخذ بالكلي معرضا عن جزئيه."( )
ومنهج الجمع هذا يقتضي إزالة أسباب التعارض الظاهري المتوهم والمتمثلة في الحالات الآتية : 
أولا : سوء فهم النص الجزئي وتوهم عدم اندراجه تحت حكم كلية من الكليات الشرعية ، وعند التحقيق والتدقيق، أو بقليل من التأمل أحيانا، يتبين أن لا تعارض بينهما. وإليك أمثلة على ذلك:
المثال الأول :
 توهم المعارضة بين الكلية الشرعية " ولا تزر وازرة وزرة أخرى "( )، وبين الحديث الشريف : " إن الميت ليعذب ببكاء( ) أهله عليه "( ) ، والحق أن لا تعارض إذا حملنا الحديث مثلا على الموصي دون غيره جمعا بين الدليلين ، وهو صنيع المالكية والحنابلة حيث خصصوا حديث ابن عمر رضي الله عنهما بالموصي فقط .
ويعضد هذا الفهم أن العرب في الجاهلية كانوا يوصون، وهم على قيد الحياة،  أهلهم وذويهم بالندب والنياحة عليهم بعد وفاتهم ، قال طرفة ابن العبد :
           فإن مت فانعيني ، بما أنا أهله          وشقي علي الجيب يا ابنة معبد 
المثال الثاني : توهم المعارضة بين الكلية الشرعية : ] وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [( ) ، أو الكلية الشرعية: ] يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ ( ) ، وأمر الأعمى بحضور صلاة الجماعة في النص الحديثي : " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له ، فيصلي في بيته، فرخص له ، فلما ولى، دعاه فقال:هل تسمع النداء بالصلاة ؟ فقال: نعم ، قال: فأجب. "( )
فبقليل من التأمل يتضح أن لا تعارض بين مقصد الرحمة في الشريعة، وبين دعوة الأعمى لإجابة النداء لصلاة الجماعة . قال د. الريسوني : " أليس دعوة الأعمى للحضور للمسجد رحمة ؟ لو لم يأت للمسجد سيصير مقعدا من شدة الأمراض والبدانة والقعود  ، فتحريكه رحمة ، مجرد تحريكه خمس مرات أو أربع هذه رحمة ، ألا نريد له هذه الرحمة ؟ 
وحتى لو لم يكن يصلي ، قد يأتي الطبيب ويقول له : عليك أن تتحرك وتمشي ساعة في اليوم ، سيقال حينئذ هذه رحمة ، لكن حين يقول له الشرع : اذهب إلى المسجد ومجموع ذهابك وإيابك ساعة ، أليست هذه رحمة ؟ 
وأيضا ، أليس اختلاطه بالناس رحمة ؟ هل نريد أن نضعه في عزلة ، في سجن ؟ في كآبة  وهم وغم ومعاناة مضاعفة ؟ يلتقي بالناس ويعانقه الناس ويتحدثون إليه ويتحدث إليهم ، أليست هذه فسحة ورحمة مثلما أنها عبادة ؟ "( )
المثال الثالث: توهم المعارضة بين الكلية الشرعية: ( ولقد كرمنا بني آدم ) ومن شواهدها حديث: ( كسر عظم الميت ككسر عظم الحي ) مع جزئية: زراعة الأعضاء الآدمية. فإن ما يظهر من تعارض بين الكلية وبين الحديث يؤول إلى التوافق بفهم النص على الوجه الصحيح، بأن المراد منه: لا يصح كسر عظم الميت اعتداء عليه وانتهاكا لحرمته، واستنادا إلى هذا الفهم وعلى قاعدته فإن تنزيل حكم الكلية الشرعية وشاهدها الحديثي على زراعة الأعضاء الآدمية هو تنزيل على غير جزئياتها ومحالها، وحتى إذا سلمنا بهذا الفهم فهناك كلية أولى بهذه الجزئية، وأقوى صلة بها من سابقتها ألا وهي كلية حفظ النفس؛ حيث حق الحياة مقدم على حق رعاية حرمة الإنسان حيا وميتا. 
فإذا تعذر تأويل النص الجزئي - مع ثبوت صحته طبعا؛ وإلا لا تعارض -  بما يوافق الكليات الشرعية، فالمطلوب التوقف في هذه الحالة لا المسارعة إلى رد الدليل الجزئي.
 قال الدكتور القرضاوي: " ومن حق المسلم أن يتوقف في أي حديث يرى معارضته لمحكم القرآن إذا لم يجد له تأويلا مستساغا "( )
وقال في موضع آخر: " لكني أوثر في الأحاديث الصحاح التوقف فيها، دون ردها بإطلاق، خشية أن يكون لها معنى لم يفتح علي به بعد "( )
وأكد هذا في كتابه النفيس: " كيف نتعامل مع السنة النبوية: معالم وضوابط " ، حيث قال:
" إن المسارعة برد كل حديث يشكل علينا فهمه – وإن كان صحيحا ثابتا – مجازفة لا يجترئ عليها الراسخون في العلم. إنهم يحسنون الظن بسلف الأمة، فإذا ثبت أنهم تلقوا حديثا بالقبول، ولم ينكره إمام معتبر ، فلا بد أنهم لم يروا فيه مطعنا من شذوذ أو علة قادحة. والواجب على العالم المنصف أن يبقي على الحديث، ويبحث عن معنى معقول أو تأويل مناسب له. وهذا هو الفرق بين المعتزلة وأهل السنة في هذا المجال."( ) إلى أن قال: " من هنا ينبغي التدقيق البالغ في فهم الحديث إذا صح ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحذر كل الحذر من رده بمجرد استبعادات عقلية، قد يكون الخطأ كامنا فيها ذاتِها."( )
ثانيا: كون التعارض الظاهري ناتجا عن عارض( ) اقتضاه ، ومع ذلك يؤول الى التوافق باعتبار القصد والمآل ، وهو على ضربين : 
الضرب الأول : المحافظة من جهة القصد والمآل على الكلية الشرعية نفسها ، أي أن النص الجزئي الذي بدت معارضته للكلية الشرعية - في الظاهر دون حقيقة الأمر بطبيعة الحال – عند التأمل يظهر أنه خادم لكليته الشرعية ومعضد لها ومعزز لوجودها ، وليس العكس.
 ومن أمثلة هذا الصنف : حد القصاص ، حيث يبدو في ظاهر الأمر أن هناك تعارضا بين كلي المحافظة على النفس وجزئي إهدار النفس الجانية بإقامة حد القصاص عليها .
وما كان لهذا التعارض الظاهري أن يحصل لولا عارض " الجناية ". وعند التأمل والتحقيق، يتبين أن قتل النفس في القصاص محافظة عليها بالقصد، إذ بدونه يشرع باب القتل على مصراعيه ، ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى : ] ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون [( ).
وجريا على هذا أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقتل الجماعة بالواحد حفاظا على كلي النفس باعتبار القصد والمآل ، ولو لم يفعل لفتح باب القتل الجماعي على مصراعيه ، واتخذ ذريعة للتهرب من القصاص .
الضرب الثاني: المحافظة من جهة القصد والمآل على كلية شرعية أخرى هي أقوى وأولى من الأولى في الحكم على الجزئية المذكورة، أي أن النص الجزئي الذي توهمنا معارضته للكلية الشرعية يندرج حقيقة و بشكل أقوى تحت كلية شرعية أخرى لمرجح اقتضى ذلك ، ومنه ما ذهب إليه جمهور الأصوليين في جواز قتل المسلم الذي تترس به الكفار من أجل الدفاع عن المقدسات ، ووجه ذلك الجواز الحفاظ على كلي أعظم وهو الدين .
ومنه تضمين الصناع وإن لم يقع منهم تفريط، فإنه في ظاهره يبدو متعارضا مع الكلية الشرعية في قوله تعالى :  ] لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [( ) إلا أن الضرورة قضت  بتضمينهم ، متمثلة في حاجات الناس الملحة إلى ترك أمتعتهم وممتلكاتهم بين أيديهم ، فلولا الضمان لتهاون الصناع في حفظها، وأدى ذلك إلى تلفها وضياعها. فتبين عند التحقيق أن جزئية تضمين الصناع التي سندها الإجماع هي داخلة من باب أولى تحت كلية الحاجيات التي تنزل منزلة الضروريات.
 فخرجت بذلك من حكم الكلية الشرعية:] لا يكلف الله نفسا إلا وسعها[، والتي تنص على رعاية المصلحة الخاصة في رفع التكليف عند انتفاء الوسع في الأمور كلها، ومنها ما نحن فيه من تضمين الصناع..إلى كلية شرعية أقوى من الأولى في حكمها على الجزئية المذكورة وهي مراعاة الضرورة والحاجة العامة ،التي ترجح عند الموازنة على المصلحة الفردية الخاصة .
فاتضح من ذلك أن التعارض الظاهري بين الكلية الشرعية وجزئية من جزئياتها، إنما هو لعارض حتم نقل الجزئية من اندراجها تحت حكم الكلية المتوهم معارضتها لها، إلى كلية أخرى هي أولى – في وجود العارض-  بالانتساب إليها.
فالحاصل إذا أن لا تعارض بين الكليات الشرعية والنصوص الجزئية، وأن المنهج القويم في إعمالهما معا، والجمع بينهما في النظر. ومن شأن هذا المنهج أن يجيب عن كثير من الإشكالات التي تتخبط فيها الأمة اليوم على مستوى الفكر والممارسة معا.








منهج تناول الكلية الشرعية بالدراسة والتحليل:

1- بيان أهمية الكلية موضوع الدراسة بشكل عام.
2- شرح مصطلحاتها.
3- استخراج مضامينها العامة.
4- استخراج بعض شواهدها من الكتاب والسنة.
5- تطبيقاتها وامتداداتها الواقعية.

    نفعني الله وإياكم، وجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم
                                                                 لا تنسوني رجاء من خالص دعائكم
                                                                       الأستاذ: إدريس أوهنا

شارك:

منشورات مشابهة:

0 comments:

إرسال تعليق

ouhna.blogspot.com

موضوع مقترح

موجز السيرة الذاتية

ابحث في هذه المدونة

أرشيف المدونة الإلكترونية