آيات وتأملات
حوار الله تعالى مع إبليس
نص الانطلاق:
قال الله تعالى:
]
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ
اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ.
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ
خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ.قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا
يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنْ الصَّاغِرِينَ.قَالَ
أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.قَالَ إِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ.قَالَ
فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ.ثُمَّ
لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ
وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ.قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا
مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ
أَجْمَعِينَ[([1]).
تدبر ونظر:
إذا كان الله تعالى لم يستنكف عن محاورة
إبليس كما هو واضح في نص الانطلاق، فإن في ذلك درسا ودعوة للناس جميعا، على اختلاف
الأزمنة والأمكنة، كي يحافظوا على باب الحوار مُشْرَعاً ولا يغلقوه تحت أية ذريعة.
لأن الاختلاف في الدين، أو التباين في المواقف السياسية، أو المصالح الاستراتيجية،
أو القناعات الفكرية، أو الميولات النفسية... كل ذلك لا ينهض دليلا على قطع جسور
الحوار.. وإلا تحول ذلك الاختلاف والتباين إلى تناحر وتدابر.
نستخلص من هذا النص الحواري البديع كذلك، أن
هناك أمورا ومسائل لا تقبل الحوار والنقاش من حيث القيام بها أو عدم القيام بها
-أي من زاوية الامتثال- وهي الأمور القطعية ثبوتا ودلالة.. فالسجود مثلا (في
الآية العاشرة) امتثالا لأمر الله عز وجل به لا يناقش، ولا يدخل فيه اعتبار
لـ(النار) أو(الطين)؛ أو غيره من الاعتبارات. لأنه كما يقول الأصوليون: «لا اجتهاد مع ورود
النص»، و"النص" بالمعنى الأصولي ما كان قطعي الدلالة لا يحتمل التأويل.
أما الحوار والنقاش في المسائل والقضايا التي تقبل الاجتهاد، أو حتى فيما
كان قطعيا صريحا بهدف فهم روحه، وتلمس مقاصده، أو إصابة محله في الواقع ضمانا لحسن
تنزيله([2])، فأمر محمود يفيد في ترسيخ القناعة، وإيضاح
الفكرة، وتقوية الالتزام.
يستفاد من نص الانطلاق أيضا أن التكبر
والغرور من الأمراض الخطيرة التي تفسد العمليات الحوارية وتعصف بها، وتؤدي إلى
نتائج عكسية. كما هو واضح من خلال رد إبليس اللعين على الحق سبحانه وتعالى، مما
كان سببا في هلاك إبليس وطرده من رحمة الله، وما كان لإبليس أن يُلعن ويطرد لولا
تكبره وغروره وتمرده على الأمر الإلهي..
ولذلك على المحاور، عموما، أن يحذر الوقوع في التكبر والغرور والحسد والكذب والغضب
والحقد والغيبة وغيرها من الأخلاق الذميمة([3])، وأن يحرص على معالجة هذه الأدواء الباطنة
والظاهرة التي تدفعه دفعا إلى ركوب صهوة التعصب وعدم الانصياع إلى الحق؛ يقول
الإمام الشاطبي رحمة الله عليه: «لا تَرِدْ مشرع العصبية، ولا تأنف من الإذعان إذا لاح
وجه القضية، أنفةَ ذوي النفوس العصية، فذلك مرعى لسوامها وبيل، وصدود عن سواء
السبيل»([4]).
[2]- يراجع
في هذا الباب "التفسير المصلحي للنصوص" و"التطبيق المصلحي
للنصوص" للدكتور أحمد الريسوني من كتاب: "الاجتهاد: النص، الواقع،
المصلحة"، ص53 فما فوقها.
0 comments:
إرسال تعليق