آيات وتأملات
الحوار مع المنكرين
للنبوة
نص الانطلاق:
قال الله تعالى:
]وَقَالُوا
لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا.أَوْ تَكُونَ
لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنهَارَ خِلَالَهَا
تَفْجِيرًا. أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ
تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا.أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ
زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى
تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا
بَشَرًا رَسُولًا.وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى
إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا.قُلْ لَوْ كَانَ فِي
الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ
السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا. قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ
إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا[([1]).
لنتدبر:
إن منطق المزايدة في
العملية الحوارية منطق غير سليم، لذلك نرى الرسول صلى الله عليه وسلم ،
أمام طلبات المنكرين لنبوته التعجيزية السخيفة (انظر من الآية90 إلى الآية93) يقف عند حدود
بشريته، ويرد ببساطة ودون مزايدة: ]قل
سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا[، وشبيه بذلك
قول نوح عليه السلام لقومه: ]
ولا أقول لكم عندي خزائن الله. ولا أعلم الغيب. ولا أقول إني ملك...[([2]).. «ولو أن الرسول
أو النبي سلك غير ما يسلكه البشر لاتهموه بالألوهية الأسطورية... يقول الحق سبحانه
-وهو فصل الخطاب في هذا الموضوع- مبينا لإمكانات النبوة وحدودها: ]قل
لا أقول لكم عندي خزائن الله[..الآية([3])، كما يقول سبحانه ]
قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، ولو كنتُ أعلم الغيب لاستكثرت من
الخير وما مسني السوء، إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يومنون [([4]).
وهذا المنطق البسيط، البعيد عن كل المزايدات الكلامية، هو الذي ينبغي
استحضاره في جميع العمليات الحوارية؛ «لأن ذلك أدعى إلى القبول وترك العناد وإطفاء
نار العصبية»([6]).
نلمس في آخر النص أهمية الدليل العقلي المنطقي
في الحجاج والحوار: ]قل
لو كان في الارض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا[، وفي ذلك
تنبيه للعقل المسلم عساه يصحو من غفلته، ويخرج من حالة الجمود والتقليد التي يكتوي
بنارها قرونا من الزمان.
نستفيد من النهاية
التي أنهى بها الرسول صلى الله عليه وسلم الحوار مع المنكرين لنبوته، الطريقة التي
على المحاور الداعية أن يسلكها في حال تعصب الطرف المحاوَر وتعنته وجحوده، وهي أن
ينهي الحوار معه كما بدأه، فلا يتشنج ولا يغضب ولا يتوتر، لأن القضية قضية رسالة
ومبدأ يجب أن يُغيَّب فيها الانتصار للذات.
ينبغي أن تحمل نهاية
الحوار من المعاني ما يجعلها، إذا ما اختمرت في ذهن المتعنت، فاتحة وبداية لحوار
جديد قد تكون نتائجه إيجابية، وهو ما نستشفه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم
الوارد في آخر الآيات السابقة: ]قل
كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا[. فإن الآية تحمل من القوة والثقة بما يقدمه
الرسول صلى الله عليه وسلم ما يجعل المنكرين لنبوته يراجعون ذواتهم وآراءهم،
ويعيدون النظر في ذلك كله، والشيء ذاته نلاحظه في رد نوح عليه السلام على قومه في
سورة "هود" عندما قال لهم: ]يا
قوم أرايتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزموكموها
وأنتم لها كارهون[([7]).. إنها -لعمري- ثقة هائلة بالنفس وما تحمله
من أفكار وتصورات، ينبغي أن يتسلح بها كل محاور يتوخى النجاح في حواره. على أن لا يصل به
الأمر إلى درجة الغرور والعناد المفضيين إلى غمط الحق وأهله، ومجانبة العدل
والإنصاف الذي أمرنا الله عز وجل به في غير ما آية من كتابه الجليل، حتى في معاملة
أو مخاطبة غير المسلمين كما في قوله
تعالى: ]يا أيها الذين
آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا. اعدلوا
هو أقرب للتقوى[([8])، خاصة أنه ليس
لدينا من التأييد والعصمة ما كان للأنبياء والرسل عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
0 comments:
إرسال تعليق