التسميات

الحوار مع الملحدين / إدريس أوهنا


آيات وتأملات

الحوار مع الملحدين


نص الانطلاق:
قال الله تعالى:
]أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون[([1]).

تدبر ونظر:
يتأكد من جديد أن القرآن الكريم لم يغلق باب الحوار مع أي كان، حتى مع من يدعي الإلحاد، وفي ذلك عبرة لنا -نحن المسلمين- حتى تتسع صدورنا، وتنفتح حواراتنا على كل من له رغبة جادة في الحوار، بصرف النظر عن توجهه الإيديولوجي، أو انتمائه السياسي، أو ما إلى ذلك. لأن المهم أن تظهر الحقيقة ويتحقق الشهود.. وما يدريك لعل الله تعالى يهدي من تحاوره إلى الحق، ويُلين قلبه للصواب بعدما بعدت الشقة بينه وبين الهداية.
وانظر بعد ذلك إلى هذا الأسلوب العقلي الرصين في الحوار: ]أم خلقوا من غير شيء أم هو الخالقون[.. إنه يضع الملحدين أمام احتمالات ثلاثة لا رابع لها.. إثنان منها منطوقان:
أولهما : أنهم خُلقوا من عدم.
والثاني: أنهم خلقوا أنفسهم.
والثالث مسكوت عنه، لأن الجواب عن الاحتمالين السابقين يحيل بالضرورة عليه. فهم عندما يصلون بعقولهم إلى أن العدم لا يخلق شيئا، وأن لا طاقة لهم على الخلق، هنالك يجدون أنفسهم أمام ما سكتت عنه الآية وهو: أن الله تعالى هو الذي خلقهم.. فلماذا الإنكار والجحود؟!
يقول البوطي معلقا على الآية ذاتها: «فانظر كيف حاكم الأسلوب الحواري في القرآن جماعة الكافرين إلى قانون بطلان الدور([2]) وبطلان الرجحان بدون مرجح، ليسقط بذلك دعواهم!.. فعل ذلك كله بدون أن يسلك بهم أي مسلك تعليمي أو أن يلقنهم علم أي مجهول أو يلزمهم بأي نتيجة أو قرار. وإنما أثار أفكارهم إلى موازين المنطق والعلم، وتركهم بين ذلك كله وقد لبسوا زي الجهل أو التجاهل والتعامي.
وأبرز ما يلفت النظر في ذلك أنه اعتمد في نقاشه على محور القواعد المنطقية والفكرية، دون أن يتقيد بصياغاتها واصطلاحاتها المعروفة، حتى لا تفوت فائدة المعرفة والفهم على أي فئة من الناس مهما كانت ثقافاتهم وعلومهم، ماداموا ينزعون إلى قدر مشترك من التأمل وحرية النظر والفكر»([3]).
فنعم الطريقة تلك في بناء المعرفة وترسيخ القناعة، وإنها لكفاية ومهارة فائقة الحُسن إذا أُحسن توظيفها في مقاماتها وموضوعاتها.. والحكيم حقا هو الذي يقول ما ينبغي، كيف ينبغي، متى وأين ينبغي.. بل يجدر إلى جانب انتقاء الأسلوب المناسب والأمثل في الحوار حسب ما يقتضيه المقام وموضوع الحوار، انتقاء المضمون أو المحتوى المناسب أيضا؛ باعتبار أنه ليس كل ما يُعرف يقال، وليس كل ما يقال حان وقته، وليس كل ما حان وقته حضر أهله.


[1] - سورة الطور، الآية33.
[2] - والدور هو أن يتوقف الشيء في وجوده على نفسه بحيث يكون هو العلة والمعلول بآن واحد! ("منهج تربوي فريد في القرآن"، ص4).
[3] - "منهج تربوي فريد في القرآن"'، ص45-46.

شارك:

0 comments:

إرسال تعليق

ouhna.blogspot.com

موضوع مقترح

موجز السيرة الذاتية

ابحث في هذه المدونة

أرشيف المدونة الإلكترونية

Blog Archive